مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



اهداء و مقدمه الكتاب






  إهداء............




اهدي مدونتي وكتابي " الشوارع حواديت "..
لستي الحاجة " نبوية" ولنينه الحاجة " مديحة " جدتاي الطيبتان فمازال صوتهما ياتيني قبل النوم كل ليله يردد حواديتهما الجميله التي اسرتني العمر كله في هذا العالم السحري عالم الحواديت !!!!
للناس في مدينتي القاهرة.. في الشوارع في المحاكم في الاسواق، الجالسين علي المقاهي وسرادقات العزاء وقاعات الافراح... للاصدقاء والجيران والاحباء....
 فقد ساهموا جميعا في ظهور هذا الكتاب للحياة..


مقدمة....الشوارع حواديت
بقلم ايهاب سمرة 


موضوعات تلك المدونه أطول نسبيا من موضوعات المدونات الأخرى للكاتبه , وكأن طول السرد ( نسبيا ) جاء شركا ناجعا ليكشف بجلاء لا يقبل الشك البعد المتصوف للمؤلفة  , تصوف خاص جدا.. مصرى صميم.. تصوف من النوع الموروث لا المكتسب..
تصوف بطقوس تمارسها الكاتبة بتلقائيه من فرط عراقته وعمق تغلغله فى أدراكها وتكوينها , تصوف طاغ بعقيده تشبه كثيرا عقائد الخاصه من أهل الطريق , أو المتوحدين من رهبان الجبال وأسلافهم من كهنة المعابد الفرعونيه , تصوف يكتسب فيه الحلم ملمسا وطعما ووجودا حقيقيا حتى تصير أرادة الأحلام والرؤى أكثر حضورا من قوة الواقع الملموس....
فى تلك المدونه تمارس الكاتبه رحلتها الشاقه لخلق حياه موازيه للواقع المرير الذى ترفضه بعناد وصبر يليق بالمتوحدين , تنتصر لقيمها وتكابد وتجاهد فى خليط عجيب من أيمانها العميق بالقدريه , وايضا ثقتها الشديده فى طاقة الأراده والحلم والرؤى.. تصبر على ضربات القدر كأيوب.. تتحمل آلام الفقد كيعقوب.. وتحركها الرؤيا كأبراهيم ويوسف ,   تتجاوز حدود علم الظاهر لتغرق فى اليقين بالباطن فتجسد بأحداث ملموسه وحدة الكائنات , والحياه بعد الحياه , التناسخ , وحتى أنتظار البطل المخلص فى آخر الزمان , تمارس كل هذا التصوف بسلاسه شديده فتفرض على القارىء الأستسلام لميتافيزيقيه واضحة الحضور تحرك الأحداث كلها , وللعجب.. تأتى الأحداث كلها واقعيه , تدير حوارا بين أهل الأرض وأهل السماء , بين بنى البشر والمخلوقات الأخرى , بل تتجاوز الحوار لتصل العلاقات ألى تبادل وتشابك أرادات بين ماهو ملموس بالعلم وماهو محسوس بالباطن.. تصوف عميق يفرض نفسه فى تلك المدونه..
فى حكايتها برواية الخادمه الصغيره التى تصورت أنها نسيت كل شىء تعاتب القدر ذاته , تصف الحبس فيتجسد مؤلما وتتابع نمو الشخصيه المحكومه قدريا بردود فعل واقعيه جدا , وتتسائل الراويه طوال السرد عن تفسير يعلل فقدها للأمومه حضورا.. وكما فى قصة حبس يوسف الصديق يتحقق الأنصاف فى النهايه, صحيح أنه تحقق فى جيل لاحق لكنه تحقق.. وتأتيها الفرصه أخيرا لتعاتب أمها تلك الكيان الغائب خلال السرد , فيكون التبرير الشافى الذى يفسر لها ليس فقط رحلة العذاب لكن ايضا يقنن لها عنادها بعد الرحله وأصرارها على تحقيق الأنصاف.
فى القارب والدخان تحضر الرؤيا كفاعل حقيقى يغير مسارات الحياه على الأرض , مره أخرى الرؤيا تقرر المصائر.. يتذكر القارىء فى خلفية السرد رؤى ابراهيم ويوسف وكيف غيرتا مصائرهما.. تغرق الكاتبه فى مفردات ميتافيزيقيه وظلال أساطير قديمه (لو فككت السحر فقدتينى.. وأن بقيت مسحوره بقيت معك ) كأنها تضع شرط تحقق السعاده بالأستسلام للسحر, قبلها تصف تفاعل المخلوقات مع البشر فى مسيره قدريه ( هناك نجمه تتشاجر مع الظلمه لأجلنا , ستقودنا وقت الخلاص ألى الخلاص ).. لينتهى السرد بسيطرة بالأستيقاظ , وقرار لا تعلم هل مصدره ارادة الراويه أم تصاريف القدر بأن يكون الأستسلام للرؤيا تماما بما يغير المصير فى الحقيقه.
طقس عتيق أسمه النكرومانس حسب وصف الأدبيات اليونانيه القديمه , يتحدث عن عقيده اتبعتها قبائل وحشيه قديمه تلتهم جثث أعدائها أحياء بيقين أن الجزء الذى ينزع من جسد حى يبقى حيا حتى بعد موت صاحبه , لذا كان القبائل القديمه تعتقد أن التهام أعدائها أحياء سيهبهم قوة وعلم وأدراك هؤلاء المنافسين , تطورت العقيده / الأسطوره لتصبح نوعا شهيرا من السحر الأسود القديم , فى نص ( بقيت شجرتها مورقه ) تمارس الكاتبه ذات الأسطوره لكن بتصوف مطمئن.. بورع ومحبه طاغيه.. رغم بشاعة الحدث الحقيقى ألا أن الحلم استطاع بقوة حضوره أن يفرض سلاما على القصه , بل يخلق تواصل ( مره أخرى ) بين الأرواح فى الأبديه والبشر فى الدنيا.. الباطن يتحكم فى الظاهر.. أليس هذا اساس التصوف ؟
فى مازالت جالسه أمام البحر تتحمل الراويه فقد الحبيب مذكرة القارىء بصبر يعقوب على فقد ابنه , وتتواصل الراويه البشريه مع روح البحر وكائناته بحميميه وتفاعل حقيقى يسيطر عليها , وبعمق الأيمان بالحياه الأخرى يتحقق الأنصاف بقاعدة أن ( الحياه بدون الحبيب موت والموت مع الحبيب أجمل حياه ).صبر المتوحدين وايمانهم , وتلاقى الأرواح أبقى من تلاقى الأجساد.
فى قصة الحفيده والعجوز تصبح الذكريات ذات كيان ملموس.. بناء صلب تتحرك الشخصيات فى حدوده , الذكريات هنا كانت بالفعل تضاريس جغرافيه حاكمه لمسارات الشخصيات الواقعيه.. بالرغم من كونها.. ذكريات , قيمة الحب النبيل والصبر ومكابدة العشق تتجلى ليستحضر القارىء عشق امرأة العزيز التى لم تخن يوسف بالغيب.. الفارق أن العاشق النبيل المكلوم كان رجلا فى السرد , طبعا قوة الرؤى تظهر فى النص كنبوئات بالنهايه سواء نبوئة موت الجده أو موت العجوز نفسه , الألهام هذه المره يأتى كنذير نهايه لكنه يتحقق , فى نهاية النص مره أخرى حوار البشر والمخلوقات الأخرى يتجلى فى نمو شجرة الحب بجوار قبر العاشق النبيل.
القدره على خلق العالم الموازى بالأحلام , بل ومعاندة الأحلام للواقع الفعلى للحياه تظهر فى أعطت ظهرها للعالم , امرأه قررت فى السبعين أن تحقق حلمها الذى تم وأده فى طفولتها ومراهقتها وشبابها.. فتشرع بقناعه تامه فى اتباع مبدأ واحد.. كيف يحسبون عمرها بأيام لم تعشها.. فتقرر أن تخصم من عمرها كل السنوات التى حرموها فيها من الحلم.. تتحدى الطغيان بعد أن وهبها القدر حريتها فى السبعين.. ينتهى السرد بتحقق الأنصاف وأثبات شباب الراويه أمام العالم.. فجنازتها سار فيها كل الشباب.
فى لم تعد وحيده , تمارس الكاتبه مره أخرى شعائرها فتخلق حلما , تصنعه بيدها فى استجابه تامه لمشاعر غير مبرره أطلاقا.. تتحاور مع الحلم , تتعامل معه حميمية وخصاما.. ثم تبحث عن الحلم لتكتشف أنه حلم بنبيل مات من زمن بعيد.. وهنا يأتى القرار بأنصاف الباطن على الظاهر.. نصر الحلم الجميل على الحقيقه الموحشه. ويتحقق الوصال كمشاعر.. رغم عدم تحققه كشعائر.
صوفيه عريقه من النوع الذى عرفه البشر حتى قبل اختراع التصوف هو مايميز الكاتبه هنا , عقيده راسخه حتى التلقائيه.. وعمق أحساس لا يتأتى ألا.. لأهل الطرق.. العاشقين.. المتوحدين فى الوجد.. المبتلين بالهوى.. وصاحب الخمر يصبح واعيا.. وصاحب الهوى طول العمر سكرانا
أم ترى أن صاحب الهوى هنا هو من يحيا بالفعل بكل أدراكه وحواسه ؟ بينما من لم يهوى.. هو من لا حياة له ؟ سؤال تطرحه الكاتبه طوال سردها.. لا يملك القارىء ألا أن يسأله لنفسه مراجعا موقفه كله من الواقع.. ومن الأحلام..........


     
أنا و...الكتابة و....الحواديت.........
بقلم اميرة بهي الدين


اكتب منذ سنوات بعيدة..... اكتب عن كل شيء، ويتحول كل شيء اراه احبه اكره انفعل به اسمعه اتذوقه اانس اليه يتحول لحروف وكلمات وجمل وعبارات... اكتب عن حالي وحال الوطن، عن احزاني وافراحي، عن نفسي عن الاخرين... منذ سنوات بعيده اكتشفت هذا الامر في نفسي، تحتلني الكتابه واسكنها، اعيش في عالمها وتعيش في، اكتشفت ذلك الامر فظللت اكتب طيله الوقت، اكتب قصاصات خواطر احاسيس افكار، اوراق ودفاتر املئها بحروفي وكلاماتي واتركها تتلظي بالاهمال، انا قارئها الوحيد، لااكشفها علي الاخرين ولااطالعهم عليها، كان الكتابه سري الشخصي، اكتب ولا انشر بايه طريقه، اكتب لنفسي وكثيرا ماكنت اعود لكلماتي تدهشني كاني لست كاتبتها كانها ولدت من رحم غريب لااعرفه، لكن احتفاظي بالسر لم يوهن اندفاعي في الكتابه وحماستي لها واستمراري فيها، فانا احب الكتابه وتسعدني، فاكتب واكتب، واقرأ مااكتبه فاظنني كاتبه  واسعد اكثر بحروفي، لكني لاامتهن الكتابه ولا احترفها ولا امارسها علنا، اظنني كاتبه تكتب في الخفاء مع نفسها، اكتب لنفسي مع نفسي لكني احترق بالغيرة من كل هؤلاء ممن يكتبوا وينشروا ويشتبكوا مع القراء اعجابا ومدحا وذما وتقريظا وغضبا وفرحا، احترق بالغيره لاني لااملك جراءه النشر مثلهم ولااكف عن الكتابه وانصرف لشئوني الاخري واخرج من زمرتهم، احترق بالغيره فاعبر عنها بكلمات تدفن في الادراج مع بقيه اوراقي...
سنوات وسنوات ظللت اكتب ولاافكر في النشر، احس عالم النشر غريبا ليس لي مكان فيه، ومن انا حتي انشر مااكتب، ومالذي يدفع قاريء لاقتناء مااكتبه وقراءته !!! ظللت اكتب ولاانشر ولاافكر حتي في النشر لكني في نفس الوقت وفي اعماقي اتمني عيون وعقول اخري تطالع مااكتبه، اتمني ولاافعل شيئا !!!
فالكتابه عمليه مفزعه معقده مخيفه ان تستولد افكار ومعاني من راسك تفرغها علي الاوراق  انت تخرج جزء من راسك ووجدانك ونفسك وافكارك ومشاعرك علي الاوراق، سيطالعها اخرون، ربما ماكتبته رديء لدرجه لاتستحق انتباها او تعقيبا او ردا، ربما ماكتبته احمق او اخرق او مستفز او تافه لحد ينفر القاريء فيترك بقيه سطورك معذبه بلا قراءه، انت تكتب واخر يحكم علي ماتكتبه، انت تكتب ماتراه بديعا عبقريا وتتركه في مهب الريح ينتظر عين غريبه تاتي تفحصه، هذا دائما ماكان يشغلني، ساكتب وماذا بعد، ساكتب وبالطبع احب كتاباتي، ثم ياتي اخر يمزقها بانصال انتقاداته يبعثرها حروفا متنافرة، اكره مسبقا تلك العين الغريبه، اكرهها خوفا من احكامها علي اسطري، اكرهها واخاف منها فاصمت والقي بالقلم خلف ظهري واتظاهر بعدم الاكتراث كان الصمت لايعذبني كان الخرس لا يؤرقني كان امتناعي العمدي عن الكتابه لايترك اثاره جفافا وجدبا علي حياتي !!!
الكتابه في ذاتها تسعدني لكنها تخيفني وترعبني، فالكتابه ليست الا مجموعه افكار ملحة ومضمون تمنح روحها وذاتها لاحرف وكلمات وعبارات تتراص علي الاسطر وفي الصفحات وفقا لايقاع لااعرف سره لكنها تعبر عن شيء معني هم ارق قلق حبيس داخلي يظل يطرق الجدران الصماء لافك اسره وامنحه حياه خارج نفسي وذاتي !! الكتابه تلك العمليه الغريبه جدا مزج الافكار والمضمون بالاحرف بالتعبيرات بالمعاني، فالكتابه ليست مجرد افكار صماء بلا شكل جمالي بلاغي يعبر عنها، هذه هي الكتابه التعليميه البارده ثقيله الظل، الكتابه ليست بلاغه وبراعه لغويه فارغه بلا مضامين، الكتابه مزج بين الافكار التي يعبر عنها الكاتب وبين الكلمات والاحرف التي سيصيغ بها افكاره لتصل للاخرين، مزيج معقد صعب يبذل الكاتب في صياغته جهدا كبيرا حتي يخرج في صورته النهائيه المرضي عنها، في نفس الوقت ذلك المزيج في ذاته يخضع لتقييم من القاريء باشد الطرق قسوه، فربما تاتي الافكار واضحه في شكل فقير بارد بلا جماليات، وربما تاتي الكتابه مليئه بالبلاغه لحد تضيع معه الفكره وتسلسلها ودلالاتها، فرعب الكاتب – ودعوني اتحدث عن نفسي اساسا – ياتي من طرح بعض من نفسي علي القراء الغرباء، طرح فكره او وجهه نظر او رؤيه او احساس بلباس لغوي جمالي بلاغي فتخضع تلك الكتابه للتقييم من الجانبين المضمون والشكل علي صعوبه تقبل القاري او اعجابه للجانبين معا في نفس اللحظه، نعم كثيرون من القراء يتغاضون عن الشكل والبلاغه لصالح المضمون والفكره، لكني اعتبر الامرين لا يقلا عن بعضهما اهميه وقيمه، فليس كافيا لي تقبل القاريء او اعجابه بالفكره والمضمون بالتجاوز عن الشكل والصياغه وبالطبع ليس مقبول اطلاقا اعجاب القاريء بالشكل والصياغه والالفاظ والبلاغه وعدم فهمه للمضمون لغموضه او رداءه طريقه طرحه، لكن هذا كله يخيفني، فنشر الكتابات يخرج بها من الحيز الخاص لاخر اعم واوسع، فافكاري واحاسيسي لن تصبح بعد تلك اللحظه تخصني انا، ستصبح مشاعا يحدق فيها ويفحصها ويرفضها ويقبلها ويكرها ويحبها اخرون غرباء لااعرفهم منحتهم انا طواعيه الحق في تقييمي ومناقشتي، منحتهم الحق في النقد والمدح والذم والاطراء، وهذا في ذاته مرعب لايقلل فزعه ان يمتدح البعض كلماتك، فكل مديح تناله يقابله علي الضفه الاخري من النهر ذم لم تسمع موجع عباراته لكنه موجود، فالكاتب مهما كذب علي نفسه او الاخرين ليس ديمقراطيا كما يدعي وليس متسامحا كما يظهر ولايملك صدرا متسعا للنقد كما يعلن، الكاتب يكتب املا في الاستحسان والاطراء والمدح وكلمات الاعجاب، وحين تطعنه كلمات النقد يتعالي كانه لم يغضب كانه لايكترث لكنه يتوجع ويصمت، لماذا يعاود الكره ثانيه ويكتب مره اخري، يعاودها بحثا عن استحسان لم يحصل عليه في كتاباته السابقه !!! لكني كنت انكر كل هذا، اكتب سرا ومع نفسي بادعاء انه اعبر عن نفسي وكفي لايلزمني قراء ولااكترث بهم، لذا لن انشر مااكتب، فانا اكتب لنفسي، هكذا قلت لنفسي وظللت اردد تلك المقوله حتي ظننت اني صدقتها !!!
لكن الكتابات المدفونه في الدرج تبكي تنتظر انصافا وانا احترق شوقا لقاريء يطالع ماكتبه ويقول فيه رايه، لكني خائفه من اعين الغرباء ومتعاليه علي دور النشر ومستشاريها بما منحوه لانفسهم من حقوق في قراءه الماده المطلوب نشرها وتقييمها واعاده صياغتها ان لزم الامر، خائفه ومتعاليه لكني احترق شوقا لقاريء يطالع مااكتب !!! لكني لاافعل شيئا !!
حتي زارتني يوما واحده من صديقاتي في منزلي احتسينا القهوه وتبادلنا احاديث كثيره وتطرقنا لموضوعات شتي ومر وقت لقاءنا لطيفا وانتهي، وودعتني وقبلتها ووقفنا علي الباب ننهي اخر كلمات لقاءنا، لااعرف مالذي دفعها وقتها لاخباري بانها قرات كتاب جميل اصله مدونه علي الانترنت، قالت هذه الجمله ببراءة وغادرت منزلي كانها لم تفعل شيئا !!!
لكن حياتي تغيرت منذ ذلك اليوم !!! بقيت في مكاني تدوي في اذني عبارتها " مدونه علي الانترنت ".. نعم ربما تكون هذه المدونات هي الحل الجميل للمشكله التي اعاني منها ولاافكر ابدا في حلها، نعم، سانشيء مدونه علي الانترنت اعرض وانشر فيها كتاباتي، وليطالعها من يطالعها، لايهمني، ربما تعجبه كتاباتي وربما يسبني، هذا ايضا لايهمني – هكذا كنت اطمئن نفسي واساعدها للتغلب علي رعبها وخوفها وقراءه الاخرين -  سانشر كتاباتي في الاثير، حيث لايعرفني احد، ساخرج اوراقي ودفاتري من مقبرتها وانشر نصوصها امنحها فرصه ولو كانت نظريه بالعثور علي قاريء يطالعها ويتفاعل معها..... اعجبتني الفكره وانتشيت !!!
وبدأت رحله التدوين واطلاق سراح كتاباتي ونشرها........ وهاهي واحده من مدوناتي الاربع " مدونه الشوارع حواديت " بين ايديكم !!!
لماذا الحواديت ؟؟؟...... لسنوات طويله سمعت من الكثيرين " انت بتحكي كويس " واعتبرته اطراء مبالغ فيه وانتهي الامر، بعدها تكرر علي سؤال واحد من اناس كثيرين "ليه مابتكتبيش الحواديت اللي انت بتحكيها دي؟؟؟؟" ورددت عليهم دائما بانه لايوجد مايستحق الكتابه عنه،  فكل ماكنت اقصه علي الاخرين وقتها مجرد احداثا عشتها او شاركت فيها او شاهدتها بعضها مضحك بعضها مؤلم بعضها غريب، مجرد احداث حياتيه عاديه لم اظن ابدا وقتها انها تصلح للحكي او التدوين تاتي علي لساني وانا " ارغي " مع اصدقائي مثلما " يرغي " الجميع عن احوالهم واخبارهم واعمالهم وتفاصيل حياتهم، هكذا ببساطه الامر !!! 
وعندما بدأت رحلة التدوين علي شبكه الانترنت جاءت مدونه " الشوارع حواديت " هي المدونه الرابعه من مدوناتي، حيث بدأت تلك الرحلة بمدونة " ياما دقت علي الراس طبول " ثم مدونة" ضل راجل ولاضل حيطه " ثم " قوس قزح ملون " وفي النهايه جاءت "الشوارع حواديت " انتقيت لها اسم كمثل كعنوان القصيده الحميمه للمبدع صلاح جاهين "الشوارع حواديت، حودايه الحب فيها وحودايه عفاريت "  تلك القصيده الاسرة البديعه، نعم الشوارع حواديت، فكل مااراه ونراه، وكل مااعيشه ونعيشه، وكل مايفرحنا ويوجعنا يسعدنا ويعذبنا ليس الا حدوتة، الشوارع حواديت والحياة ذاتها حواديت !!..
ولااخفيكم سرا اني لااعرف بدقة لماذا اخترت لكتاباتي شكل الحواديت، ذلك الشكل البسيط البدائي للكتابه ؟؟؟ لكني وجدت نفسي في ذلك الشكل بمضمونه الفطري، احببت فكره الحدوته وارتحت لها،  شعرت برغبه في الحكي ولتاتي كتاباتي ليست الا حواديت حره طليقه من الاطر والقيود المنهجيه المطلوبه المفروضه علي اشكال الكتابه الاخري كمثل حواديت الاطفال، واقعيه احيانا خياليه احيانا اخري، ليست مقاله ليست قصه ليست درسا مباشرا فجا ليست عظه ثقيله الظل، هي حدوته، فيها اسهاب وتفاصيل وموسيقي والوان، حدوته تسرق الخيال واللب والقلب تخطف وجدان ومشاعر القاريء وتثير خياله وتطلق عنانه في العوالم الرحيبه الملونه...
نعم سانشر حواديت، كتبتها ودونتها اخري – ليست انا بالضبط – انسلخت مني من روحي من جنوني من انطلاقي، كتبتها اخري تركتني بمنتهي التعقل اعيش الحياة الصاخبه وعاشت معي بكل الجنون المبدع الحر، صاحبتني في حياتي ومرت بتجاربي تراقبني وتراقب الحياه ترصد تفاصيلها تلتقط الصور والمناظر وتسجل الاحاديث والنغمات وتدون الاحاسيس والمشاعر، اخري انسلخت مني وتفرغت للحواديت رصدتها وكتبتها وغيرت مذاقها وتفاصيلها، وافترشت لها في قاع صندوق ذكرياتي مكانا محببا وبقيت تنتظر بكل ثقه فرصتهما للوجود والسطوع والتحقق وهاهي الفرصه اتتها في مدونه خاصه للحواديت فانتهزت الفرصه وكتبت حواديتها بحريه مطلقة كلماتها مزيج من الفصحي والعاميه بلا قيود مفترضه تحاصر قلمها ووجدانها قبل الكتابه، كتبت الحواديت مثلما عايشتها بفطريتها باندفاعها بجنونها بصخبها بحماسها وافسحت المجال لابطال الحواديت يكتبوا معها قصصهم  فكتبوها بطريقتهم باسلوبهم بفجاجتهم بتلقائيتهم بدموع اعينهم بدماء قلوبهم بصهيل ضحكاتهم  و" توته توته خلصت الحدوته، حلوه ولا ملتوته ؟؟؟؟ " و"اسمعي يا حلوة لما اضحكك..الشارع دا كنا ساكنين فيه زمان كل يوم يضيق زيادة عن ما كان اصبح الآن بعد ما كبرنا عليه زي بطن الأم مالناش فيه مكان "...
لماذا حواديت ؟؟........ لان الحواديت جزء من طفولتنا البريئه السعيده، هي اول واهم مصادر الابداع والفن والدراما التي عرفناها وسمعناها اطفالا قبل القراءه والكتابه وقبل التلفزيون وقبل افلام الرسوم المتحركه والعرائس، الحدوته  تلك الحكايه البسيطه التي قصت علينا قبل النوم في معظم الاحوال او وقت تنقطع الكهرباء ويفزع الاطفال من الظلام او وقت تكدس المنزل بالزوار الذي يتعين علي الاطفال عدم ازعاجهم بوجودهم في ذاته، في تلك اللحظات، تاتي سيده طيبه، ربما جده، ربما ام، ربما خادمه عجوز، ربما قريبه بعيده، ربما جارة، تاتي سيده طيبه، تجمع الاطفال حولها تغريهم "حنحكي حدوته "  فيسعد الاطفال وينفعلوا وعلي الارجح يصفقوا وكثيرا ما يهللوا فرحين بتلك الهديه القيمه التي ستمنحها لهم تلك السيده، فيتحلقوا حولها ينصتوا لها ساكنين يسمعوا كلماتها التي تصف احداث وشخصيات ومشاهد ومشاعر وتقول حكم وعبر وعظات، يسمعوا كلماتها بموسيقاها وايقاعاتها الخاصه بالوانها بروائحها، حدوته تخلط بين الواقع والخيال بين الممكن والمستحيل بين الحاضر والماضي، حدوته تتحدث احيانا عن البشر عن الحيوانات عن الاشباح والعفاريت والجنيات، حدوته تسرق الاطفال لعالمها الخيالي تفك اسرهم من القيود والاوامر والنواهي وتحلق بهم في مساحات الحلم الرحيبة تتجاوز سياج المنطق والمعقول وحدود الواقع المقيد بالممكن والمقبول في نفس الوقت تشكل وعيهم وتعلمهم دروس ومفاهيم وقيم ومعاني بلا مباشره بلا فجاجه وفي المقام الاول تسعدهم وتدخل البهجه لقلوبهم...... وكان ياما كان ياسعد يااكرام....... وتبدأ احداث الحدوته التي تمنح الشاطر حسن قلب ست الحسن والجمال احيانا  وتواسي البطه السودا التي تسير في اخر الطابور ظلما احيانا اخري وتسخر  من الارنب الكسلان في سباقه مع السلحفاه النشيطه مره ثالثه وتنتقد الغراب الاسود الذي رفض واقعه وارتدي ريش الطاووس وتباهي بجمال مزيف لايملكه، حدوته تاخذنا ونحن صغار لعالم علي بابا والاربعين حرامي عالم السحر والسمسم، وتعرفنا علي سندباد البري والبحري، وتاخذنا في رحلات طائره علي البساط السحري مع علاء الدين ومصباحه  و........... توته توته خلصت الحدوته حلوه ولا ملتوته و" اسمعي يا حلوة لما اضحكك  الشارع دا رحنا فيه المدرسة اللي باقي منه باقي واللي مش باقي اتنسى كنسوه الكناسين بالمكنسة ييجي دور لحظة أسى أنا برضه كمان نسيت "..
الحواديت كما عنها قال د.خليل ابو ذياب  " ولعل أهم ما يميز هذا النمط الأدبى الإبداعى – الحدوته -  أنه تسوده روح الشعب، وتشيع فيه أحلامه وآماله وطموحاته وآلامه وثقافاته، حتى يمكن أن يعدّ النمط الأدبى المعبر عن وجدان الشعب وروح الجماعة  " وكما قال عنها جوته "  " هي بعينها الحكمة، وإذا كنا نحن لا نعرف مصدر هذه الحكمة، فإن هذا لا يرجع إلى بلاهة في الحكاية الخرافية، وإنما يرجع إلى احساسنا البليد
لماذا الحواديت....... لان الحواديت هي حياه البشر، هي ايامهم، هي انفعالاتهم، هي سيرتهم التي يتركوها خلفهم، هي وجودهم تواصلهم تشابكهم  اختلافهم التقاءهم، الحواديت هي الامس واليوم، هي ماضينا وحاضرنا، هي الاساطير والسير والوقائع المنقوشه فوق جدران المعابد وعلي البرديات وكتب التاريخ  و" علي الجبين "، هي الشجن والفرح الذي يغنيهما شاعر الربابه ويحكي عنهما الصندوق السحري... و" ياولاد ياولاد توت توت، تعالوا تعالوا، علشان نسمع ابله فضيله، راح تحكي لنا حكايه جميله "  الحواديت هي الحياة كلها و......... " الشوارع حواديت، حواديه الحب فيها وحودايه عفاريت، اسمعي يا حلوة لما اضحكك، الشارع دا أوله بساتين وآخره حيطة سد  ليا فيه قصة غرام ماحكيتش عنها لأي حد من طرف واحد وكنت سعيد أوي بس حراس الشوارع حطوا للحدودته حد "
 في هذا الكتاب احكي عن  " حواديت الغرباء "، " وجع الحواديت "  احكي عن " حواديت رومانسيه "، " كذا حدوته  "  احكي عن  " حواديتي انا "  و" انا وحواديتهم "....
في هذا الكتاب احكي عن حواديتي وجنوني وانطلاقي والحياه التي عشتها وعايشتها...
" واسمعي ياحلوه لما اضحكك "...


ديسمبر 2009