مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 4 يوليو 2014

وهج وردي في اخر الليل ..... الجزء الثالث


الجزء الثالث



ماخابرش ليه الوجع
ما بقاش بيوجعنى
و ليه دموعى السخينة
دايما ترجعنى
للى مضى و انقضى
و ارحل ... ترجعنى
بادق بابك .. يا تفتح
يا ترده ....يوجعنى





                                                                    " ياغالية يابنت الغالي "
                                                                                      سميحة


في الظلام الدامس واشباح مرعبة تحتل الغرفة وتخلع قلبي رعبا ، احتضنها محمومة ، صغيرة مريضة تنتفض وتهذي ، الحرارة الشديدة قبضت علي راسها وصبغت وجهها بوشم قرمزي ، تنتفض وتهذي ، عمتي نفيسة تجهزني لموتها ، نعم لموتها ، تتحرك بعصبيه طيلة النهار بين غرفات الدار تبعد شبح الموت وغرابه الاسود ، تأتيني وانا احتضنها ودموعي تمتزج بقطرات العرق البارد التي تنفجر من جبهتها الصغيرة ، تاتيني وتقولي ، ااقري ليها قرأن ربنا يهون عليها ، بعيون فزعه اتمني اسألها ، بتقولي ايه ياعمتي ، لكنها تخرج من الغرفه ولاتترك لي فرصه سؤالها ، الكمادات الباردة تتحرق بنار حرارتها في ثانيه واحدة ، الطبيب غمز لعمتي وكأنه يخبرها بالمصير المكتوب علي صغيرتي ، سنتين ارعاها بعدما مات ابيها وتركنا كالجذع المكسور لاارض لنا ولا ضل ، سنتين اكبرها امام عيني ، تضحك احيانا وكثيرا تبكي بلا سبب ، عمتي ترقيها بالبخور والشبة وتقرأ المعوذتين وتدعو ربي يشحتها لي ، البت ملبوسه ، تؤكد عمتي فلااصدقها ، صغيرة ياعمة وكل الصغار كده ، تتركني غاضبه لايعجبها كلامي ، ايش فهمك انتي في الصغار يابنت امبارح لاربيتي ولا كبرتي ، كدت يوم اقاطعها وانت ياعمتي لا حملتي ولا ولدتي ولا ربيتي ولا كبرتي ، كدت وخفت من غضبها ، الحق اشفقت عليها من قسوتي ، البت ملبوسة من يوم ماابوها مشي وطلعتي بيها المقابر والبت رجعت غير ماكانت ، وكأن كل الحزن وكل البكاء وكل السواد وكل القهرة التي تحيطها لم تؤثر فيها ، والنبي ياعمة البت كويسه ، ياريت يابنت اخويا وانا اكره ، قاوحتها كثيرا وعارضتها كثيرا وهي تؤكد لي ان صغيرتي عليلة وممنهاش امل وبنت موت وابوها فاتح حضنه ومستنيها ، قاوحتها كثيرا ومنورة تجري في البيت وتضحك احيانا وتلتصق بي كثيرا ، حتي ذلك اليوم الكئيب الذي استيقظت وسط الليل علي صوت صراخها ، صراخ ملتاع وكأن عقرها ثعبان ، استيقظت عمتي وهرعت لحجرتي ، مالها بتك ؟؟ لم اجد اجابه ، لااعرف ، تنتفض من السخونه وحرارة جسدها المشتعل ، وكأنها جمرة نار حمراء في المنقد ، كأنها فرع حطب في الفرن المشتعل ، اتت عمتي بالماء البارد وسكبته علي رأسها ، تبكي منورة وتصرخ ولا تنخفض حرارتها ، بقسوة وقوة ، خلعت عمتي عنها ملابسها والقت بها في حوض ماء بارد ، اكدت لي ، لو حمي ومرض الحرارة حتنزل ، لو اشاره وصمتت ، لو اشاره ولا ميه البحر كله حتفرق معاها ، غطست منورة في الماء البارد مرة واثنين وجسدها ينتفض من الحراره ، لاتنخفض ولا تهدأ ، تبكي وتصرخ والحمي تفتك بها وبرأسها ، اشعلت عمتي كل انوار المنزل ، تقرأ القرأن في جوانبه ، ترش ماء وملح علي الارض وتتمتم بادعيه لااعرفها ، سامعه نعيق الغراب ؟؟ لم اسمعه والغربان لاتنعق وسط الليل ، خير يارب عديها علي خير وهون عليها ...
عمتي تدرك في قرارة نفسها ان ابنتي سترحل لحضن ابيها المفتوح ، تحتضنها بحب وشفقه وتهمس في اذنها بالشهادتين ، الطم علي وجهي واكاد اخطفها من يدها ، ده صغيرة ياعمة ولسه قدامها العمر طويل ، اصدق عمتي ، وان ملاك الموت سيخطفها من حضني كما خطف ابيها ، الطم علي وجهي وامزق شعري ، اكتمي يابت خالص الموت له هيبه ورهبه ، اكتم صوتي لكني لااكتم حزني الذي ينفجر ويتملكني ، سترحل ابنتي الصغيرة منورة وتترك حياتي ظلام دامس ، يارب يارب ....
لكن الليل يرحل وتبقي منورة محمومه مريضة ، يأتينا النهار بالامل والطبيب ، يصف لها ادوية كثيرة ويطالبني برعايتها والاعتناء بها وتخفيض حرارتها بكل الطرق ، برشام وكمادات وربنا معاها ومعاكم ، احتجز نفسي معها في الغرفه واحكم اغلاق النوافذ خوفا عليها من تيارات الهواء ، اغرق رأسها بالماء البارد والثلج ، تبكي وتصرخ والحمي لاترحمها وترحل ، اقرأ القرأن واندر لاهل الله عيش ونابت لو صحت وطابت واشحذها من ربي يبقيها لي سند وفرحة ، تصمت بعض الوقت وكأن حرارتها انخفضت ، تنام فانام وهي في حضني ، فجأ تشتعل روحي وجسدي بحرارة مرضها وتصرخ ، اهدهدها ، ننه نام ننه نام وادبح لك جوزين حمام ، ننه نام ننه نام وادبح لك جوزين حمام .... تصمت وكأنها تنصت لي ، احسها تتمناني احكي واتكلم ، شدي حيلك يامنورة علشان خاطري ، علشان خاطر امك اللي اتكسر وسطها علشانك ، شدي حيلك يامنورة علشاني ، اوعي يابت تعمليها فيا وتسيبيني انت كمان ، اوعي يابت تخلي بيا وتكسريني وتروحي لابوكي وتسبيكي ، انفجر في البكاء ، اوعي يامنورة ، واهون عليكي يابت ، اهون عليكي تحكمي علي بالحزن العمر كله ، شدي حيلك يامنورة علشاني ، اه يابت علشاني ، بكره تكبري وتبقي عروسه وتفرحي قلبي وتجبري بخاطري وتهوني علي التعب ياغاليه يابنت الغالي ، شدي حيلك يامنورة ، تكف عن البكاء واكف انا ايضا ، تكف عن البكاء وكأنها تسمعني ، تفتح عينيها الصغيرتين وكأنها تنظر لي ، ياقلب امك ياحبيبتي لااشوف فيكي رضي ولااسمع عنك سو وربنا يحفظك ياقلب امك ... واغيب في هلاوس وكوابيس ونعيق الغربان وصراخ وغرق في بحار باردة ودموع مالحه و..... البكا في الحلم فرج ، افرجها يارب و...... افتح عيني والشمس ساطعه في الغرفة وكأن النهار انتصف وانا غائبه مخدرة ، ابحث عن منورة هلعه وكأنها ماتت وانا لم ادري ، بجواري وفي حضني نائمه  كالملاك الصغير تتنفس ببطء وحنان ، احدق في ملامحها الجميله واحس حبها يجتاحني فيضان ، الحمي رحلت ومعها شبح الموت ومخاوف عمتي ورعبها ، ربي استجاب دعائي وانقذها ، الشكر لك يارب والحمد .. 
اتركها في الفراش واخرج لعمتي ، في المطبخ مشغوله كعادتها ، بركه ان بنتك طابت ياسميحة ، بركه دعائي ياعمتي ، تحدق في وتبتسم وتهمس ، ربنا كريم ماارادش يكسر بخاطرك وخاطرنا ، البت غلبانه ومونساكي والغلب قال عليكي كفايه كده ، اه والنبي ياعمتي كفايه عليكي كده ، تتنمر فجأ وكأن الحنان يوجعها ، طيب يالا يااختي شوفي بقي وراكي ايه لساكي نايمه للضهر وسايباني ، ابتسم ، نعم الحنان يوجعها ، لاترغب تظهر طبيعتها الطيبه التي اوجعتها الايام فواراتها وانكرتها ، عيني ياعمتي ، همست ، ربنا يخليكي ليا ، همست وكأنها لاترغبني اسمعها ، ويخليكم ليا ....
الف حمد الله علي السلامه يامنورة ...
وبقي الندر معلقا في رقبتي ، عيش ونابت لاهل البيت ، شالله يااهل البيت ، شالله...


                                                                   " هل تكرهني امي ؟؟"
                                                                                      منورة


وسط عائلة المناديلي لااجد لنفسي مكانا ، لاانتمي اليهم ولا يعتبروني ، انا ابنة سميحة المناديلي ، لكن جدي مرتضي المناديلي القي بي متخلصا من عبئي ، بل القي باابنته وانا معها رضيعة في بيت جدتي نفيسة ، بيت جدتي تفيدة اغلق في وجهي ووجه امي ، بيت جدتي لابي اغلق في وجهي ، جدتي سعيدة  اعتبرتني سببا في بوار ابنتها ووقف سوقها ،ليست اول ارمله ولااخرهن ، لكن الرضيعه اوقفت حالها وستوقفه اكثر واكثر ، جدتي سعيدة اعتبرني سبب في بقاء امي ارمله انثي مع وقف التنفيذ ، لو كنت مت يوم لفظني رحمها للحياه لاستراحت امي واسترحن جميعا ، لافلحت جدتي تزوجها بزينة الجدعان بعدما رحل زوجها ، لكني اغلقت طريق العرسان وفتحت باب قلة الحظ ، جدتي سعيدة تكرهني ، اري الكراهيه في عينيها ، احس برودتها في حضنها الموصد امامي ,,
جدتي تفيدة ام ابي تكرهني ، قدمي نحس وشؤم ، اتيت للحياه فسحبت الحياه من قلب ابي ليرحل في عز شبابه فتكتوي بحسرته عمرها كله ، تكرهني لاني سرقت بوفاه ابي جزءا من ارض العائله صرت مالكته وغدا زوجي واولادي يشاركوا اسرة ابي ثرائهم وعزوتهم ، تمنت جدتي لابي موتي ، رفضت تفتح لي باب دارها ولا تمنحني ايراد ميراثي ، تجاهلتني كراهية وحنقا ، عندما تسحبني امي لزيارتها ، تبقينا في غرفه المسافرين وتعزمنا علي الاكل تتمنانا نرفض ، وتهلل بصوت رخامي اننا اصحاب البيت ومن ريحه الغالي لكن صقيع كلماتها يوغزنا ويشكك قلوبنا انا وامي ...
هل تكرهني امي ؟؟ هل تحبني ؟؟؟


                                                            "ماسبب الزيارة وسرها ؟؟؟"
                                                                                      رضوي


ساتصل بعمتي نفيسة واخطرها بزياره منورة بنت سميحه ، رحبت بها كما طلبت وكما تقتضي الاصول ، لكني التصقت في مقعدي منذ رحلت اسال نفسي لماذا اتت لزيارتي ؟؟ كدت اتصل بعمتي نفيسة اسالها ، هي جت تزورني ليه ؟؟ لكني تراجعت في اخر لحظه ، ستنهشني عمتي، فانا البراوية بنت البندريه التي خطفت اخيها ، لن ترحمني ، ستشهر بي لاني لم افتح منزلي برضا وسماحه لابنة سميحة ، منورة ، هل هي منورة التي زارتني صغيرة ، نعم هي ، منورة بنت سميحه بنت عمي مرتضي ، هي ، مازلت اذكرها منذ اتت منزلي صغيرة في يد امها منذ سنوات بعيدة ، امها ابنة عمي تعيش في قريتنا الريفية التي هجرها معظم ابناءها الفالحين  للتعليم والسعي للرزق وتركنا بها التاريخ ومقابر الاسرة ، اتت "منورة" مع امها لزيارتنا في العاصمه المزدحمة للوفاء بندر الخبز والنابت في مقام اولياء الله الصالحين بعدما شفيت منورة من دور كان يقصف عمرها قبلما يبدأ ، ارتفعت حراراتها واخذت تهذي وتتصبب عرقا واحتار معها الاطباء وذوي العلم ، يومها ندرت سميحة لاهل الله واولياءه الصالحين " طاولة " خبز ونابت ولحمه لو طالت يديها وقتما تشفي الصغيرة ، وسرعان ماانخفضت الحرارة وصمتت الصغيرة عن هذيانها وانزاحت الغمة ، اتصلت بي سميحه تستأذني تقيم في منزلي يومين لتفي بالندر ، رحبت بها وانتظرتها لتؤنسني هي وصغيرتها الجميلة ، لم اخبرها ان عمتي نفيسة اتصلت بي وامرتني امرها النافذ بقدوم سميحة لمنزلي والاقامه عندي حتي تفي بندرها ، لم اخبرها حتي لاتشعر بالخجل لان عمتي تتصرف في امورها وتلغيها كالعادة ، وسرعان ماأتت سميحة وسرعان ماعادت للقرية بعدما اوفت بالندر وحملت الاقفاص علي رأسها ووقفت علي الارصفه المزدحمه امام الاضرحه والمقامات توزع " المنابات " علي اصحاب النصيب تطالبهم يدعوا لابنتها منورة بالصحه وطوله العمر ....
سميحة ابنة عمي مرتضي تزوجت ابن خالتها نادر ، امها كانت قروية طيبه من قريتنا ، خالتي سعيدة ، لم تفلح ابدا تحلق بزوجها لعالم اجمل مما يعيشا فيه ، ابقته لصيق البيت والدوار والطين والزرع عكس امي كانت ابنة مهندس الزراعة الوافد علي القريه ، "بندرية" جميلة وابنة مدارس كما تصفها عمتي نفيسة ، شاهدها ابي وطارد ابيها حتي وعده يزوجها له بعدما يتخرج من كليته ، امي كانت غريبه علي القريه وقت وصلت اليها وبقيت غريبه عنها طيله الحياه وجميعنا صرنا ايضا...
جميعنا انا واخوتي اعتبرنا قرية ابي مجرد مكان غريب لانعرفه ، ابي انهي دراسته وتزوج امي ورحلا للقاهرة وانقطعت صلتهما بالقرية الا بعض المآتم التي يقف فيها ابي بجوار اولاده عمومته ليأخذ العزاء في كبير من كبار العائلة ، امي والقاهره فصلا ابي عن القرية وقطعا جذوره عن الارض وصار "بندريا" كما تصفه عمتي الحاجة نفيسة كبيرة العائلة ورأسها القوي ، ابي صار "بندريا" ، لكن عمي مرتضي  بقي ابن القرية وسنديانه كبيرة غرست في ارضها ولم يبارحها ابدا حتي لزياره ابي او لقضاء اي مصالح خارج زمامها ، وهكذا انقسمت عائلتنا لفرعين ، الفرع الاكبر بقي هو واولاده واحفاده في القرية يحافظ علي الهيبة والارض واللقب والسطوة المتوارثة تاريخيها ،والفرع الاصغر انتقل للقاهره وعاش هناك وبني مستقبلا مختلفا ... انقسمت عائلتنا فرعين ، لكننا بقينا عائلة واحدة ، نحمل جميعنا لقب " المناديلي " ... وسارت بنا الحياه مثلما سارت وتفرقت بنا السبل وفرقت بنا الايام ، حتي اليوم ، يوم اتت منورة لزيارتي في منزلي ، طرقت بابي دون اذن وخلعت حجابها علي صالوني الانيق وكأنها من اهل البيت ، مالذي ترغبي فيه يامنورة ، ماسبب الزيارة وسرها ؟؟؟ افكر وافكر حتي كسر الصداع رأسي فصرخت علي خادمتي لتأتي لي بفنجان قهوه علني افكر افضل وافهم ، سر تلك الزياره ، زيارة منورة لمنزلي وانا في الحقيقه لااعرفها ولااعرف امها .....


                                                                      " لن ارحل يامنورة "
                                                                                        يحيي


لطمت منورة ومزقت شعرها لاني احب البلدة التي نعيش فيها ولاارغب اغادرها للمدن  الواسعة المخيفة ، لطمت وقتما اخبرتها ان الطبيب الذي اعمل معه وانفق عليها وعلي ابنتها من راتبه الضئيل سيغادر القريه وعرض عليا اصاحبه للقاهره حيث سيعمل ، قال لي الطبيب انه يرتاح لوجودي معه وطالبني الم خلجاتي والحق به للعيادة الكبيرة التي افتتحها في قلب القاهره ، ترك معي ارقام تليفوناته وطالبني اسرع في اللحاق به فوعدته افكر وانا لاانوي اللحاق به ، كيف اترك داري وارضي وعائلتي واتغرب في العاصمة الموحشه المتوحشه واطمئن علي زوجتي وسط نساءها اللعوب الفاجرات القادرات كما تقول امي ...
اخبرت منورة بعدما شربنا الشاي وقت العصاري عن حزني للبعد عن الطبيب الذي عملت في عيادته سنوات طويلة ، اخبرتها اني متأثر لفراقه واني كنت اعتبره ابي وفي مقامه ، تمتمت منورة كلمات ممضوغه تعاطفا مع حزني ، اخبرتها وانا لااعرف اي كارثه اصنعها في حياتي ونفسي ، اخبرتها انه دعاني للحاق به ووعدني بوظيفتي في عيادته الكبيرة وسط العاصمة ، قفزت من مكانها فرحه وزغردت لان اخيرا ربنا استجاب لدعاها تخرج من المخروبة التي لم تعش فيها يوم سعيدا وسألتني متي سنرحل ، كنت احتسي الشاي وصوت العصافير العائده لاعشاشها قبل الغروب تملأ السماء صخبا فلم اسمع كلماتها واضحة وحين كررتها ضحكت بطيبة جننتها وقلت لها لن اغادر داري ولن اخرج من قريتي وسابحث عن عمل جديد والارزاق علي الله ..
كلماتي جننتها وافقدتها صوابها ، صرخت ولطمت ومزقت ملابسها ووجهها ، رجتني نلم ملابسنا ونرحل للحياة المحرومين منها ، رجتني الحق بالطبيب واصنع لي ولها ولبناتنا مكانا تحت الشمس في الحياة ، كنت اسمع كلماتها لااصدق ماتقوله ، بركان من الكلمات انفجر حمما من قلبها ، تبكي وهي ترجوني اقبل الوظيفه الجديدة ، تصرخ وهي تهددني بقتل نفسها لاني ظالم اقهرها واسود ايامها واحكم عليها وعلي ابنائها وسلسالي بالاسر في القرية التي مازالت تخاف من الارانب البيضاء  وتعتبرها اشباحا ضاله من الليل الفائت بعدما سطعت الشمس عليها وحرمتها تعود لطبيعتها احجارا ساكنة ...
مالها تلك الحمقاء تصرخ وتبكي هكذا ، مالها ترجوني وتستعطفني وتتذلل لي ، مالها تهددني بالقطيعه والخصام والهجر ، مالها فقدت صوابها وعقلها وشهيتها للطعام واغلقت حضنها في وجه رجولتي وشحبت ومرضت ، كل هذا لاني رفضت اطاوعها والم خلجاتي والحق بالطبيب الكبير في عيادته الجديدة وسط القاهرة ...
حاولت اشرح لها اسباب رغبتي في البقاء في قريتنا الامنة واللي نعرفه احسن من اللي مانعرفوش ، حاولت اخبرها بسعادتي في القريه وحياتي التي اعتدت عليها وحبي لساعات النهار الصحو بعد صلاة الفجر والسماء المرصعة بنجومها والريح البحري الطازج يملأ روحي بالغبطه طازج صحو برائحة النعناع ساعه العصاري ، قلت لها ان اهلنا وعزوتنا ورفاق حياتنا في القرية التي عاش فيها اجدادنا وماتوا وسنعيش فيها نموت ..
حاولت وحاولت ، هل كنت اسكب الجاز علي بركان الغضب ، هل كنت اشعل الحطب الجاف بكلماتي الهادئه ، نعم كل هذا واكثر ، جنت منورة ، جنت بحق ، انهارت من كثرة البكاء وصحتها تدهورت وفقدت الرغبة في الحياه بكل تفاصيلها ، اخبرتني انها تحلم منذ طفولتها بالعيش في القاهره منذ زارت خالتها رضوي في طفولتها البعيدة ، اخبرتني انها تركت بيت خالتها رضوي بدموع العين ، وتمنت تموت قبلما تعود لقريتها ، اخبرتني ان قلبها تعلق ببيت خالتها رضوي وشارعها الواسع ومحلاته الكبيرة والحديقة الكبيرة التي يلعب فيها اولادها ، اخبرتني انه كان حلم حياتها الذي لم تجد لتحققه فرصه الا اليوم وقتما رحل الطبيب ودعاني للحاق به ، صارت حياتها معلقه بكلمه واحدة تخرج من فمي ، حنسافر ، لكني لم انطقها ، لاافهم جنونها ، لاافهم غضبها ، لاافهم حلمها ولامعناه ، هذا ليس حلم ، بل كابوس شرير ، اقطع جذري من الارض واحلق غريبا حائرا في السماء كاليتامي واولاد السبيل ، اترك داري واقل مقداري واستأجر بيتا في ارض لااعرفها واعيش غريبا وسط الغرباء ...
لماذا افعل هذا ؟؟؟ لن ارحل يامنورة .... هكذا حسمت امري ...
او هكذا تصورت ....


                                                                         " صدقتي ياعمتي "
                                                                                      سميحة


لاتشبهني ولااشبها واللقب  المناديلي ، ثوبها الانيق المزركش بالفراشات الملونة لايشبه ثوبي المبطش بوروده الكبيرة  الذي خاطته لي خالتي ام ميلاد خياطه القرية ، شرائط شعرها الستان الحريرية لاتشبه الحبل الملتوي الذي تربط امي به شعري المتناثر ، خالتي فاديه امها الانيقة وحذائها اللامع واظافرها الطويلة الحمراء لاتشبه امي سعيدة بنت ابو بكر بجلبابها الاسود الواسع المتسخ بتراب الفرن ودقيق الخبيز ....
هي ابنة عمي وانا ايضا ابنة عمها ، هي رضوي المناديلي وانا سميحة المناديلي لكن بيننا مابين السماء والارض ... وليس كل مناديلي مناديلي !!
اتي عمي مصطفي لزياره قريتنا بعد غياب طويل ، نزل في بيت عمتي نفيسه مع زوجته وبناته ، اصطحبني ابي واخوتي لزيارتهم ، دعتنا عمتي نفيسه للغذاء معها ، امي سبقتنا ودخلت المطبخ مع عمتي ليعدوا وليمة الترحيب ، بقيت خالتي فاديه في الشرفه بجوار عمي ، لمزتها عمتي اكثر من مرة بكلمات موجعه لانها صاحبه بيت مش ضيفه ، تجاهلتها خالتي فاديه كأن الكلام لايخصها ، علي منضده الغداء وجميعنا نجلس متجاورين متجاهلين الفجوات الواسعة التي تباعدنا مهما تلاصقنا ، سألتها عمتي نفيسه عما اذا بتعرف تطبخ ، ابتسمت خالتي فاديه بأدب وصمتت ، اشاد بها عمي مصطفي وانها ست بيت ممتازه ، عوجت عمتي شفتيها وقالت ، الميه تكدب الغطاس ، ضحك عمي مصطفي وكأنه لم يفهم ماقالته عمتي ...
استبقني عمتي نفيسه واخوتي لنقيم معها طيله اقامه عمي وبناته ، قالت لابي سيب البنات يلعبوا مع بعض ، وافقها ابي ورحب عمي ..
لم نلعب مع بعض ابدا ، تعارفنا غرباء ، لايلعبن مثلنا ولا نتكلم مثلهن ، جلسنا نتكلم بعض الوقت وصمتنا اغلبه ...
اراقب رضوي ، هي من دوري كما قالت عمتي ، اراقبها ، لاتشبهني ولااشبهها ، الفارق بيننا هو الفارق بين مصر الجديدة التي تعيش فيها مع ابيها وبين قريتنا الصغيرة التي اعيش فيها مع ابي وعمتي وكل العائله ، تحكي لنا عن النادي فاصمت خجلا لااعرف مالذي تتكلم عنه ، اسال عمتي هو احنا ليه مابنروحش النادي ، تضحك عمتي لاني اتخبلت وبنات عمي طيروا البرج المتبقي في عقلي ، تلوم عمي مصطفي لان البنات بتروح النادي ، يضحك عمي مصطفي ويطئمنها ان كل البنات في مصر بتروح النادي وعادي ...
اشرح لها لعبتنا المفضلة ، فرح وعروسة وزفه واغاني ، تتلعثم كلمات اغانينا في فمها ، ترتبك لانها لاتعرف النغمات مثلنا ولاتجيد الرقص مثلنا ، اسالها ، هو حداكم مافيش ليالي حنه وفرش بيت العروسة ، تهز رأسها نفيا وهي لاتفهم مااقوله ..
الطينه غير العجينه ، همست عمتي نفيسه تلوم عمي مصطفي لانه ترك بناته لزوجته تربيهن بعيدا عن عادتنا وتقاليدنا فصرن غرباء ، تلومه وهي تشاور علي وعلي رضوي ، وادي انت شايف ، الطينه غير العجينة !!!! صدقتي ياعمتي ، الطينة غير العجينة ....


                                                                 " وحياه النبي لاحيحصل "
                                                                                      منورة 


ان عشقت اعشق قمر وان سرقت اسرق جمل وقطع لسان اللي قال اللي يبص اللي فوق يتعب ، ويخرب بيته اللي قال عيش عيشة اهلك ومنه لله اللي امرهم يرضوا بقليلهم ويعيشهم ، وحياة ابويا اللي ماشفته ووحياة امي اللي الزمن كسرها وهي عود اخضر ووحياة كل يوم اسود عشته لاحبص لفوق ومش حاعيش عيشه اهلي وحاعشق القمر وحاشب وانط لفوق واجيبه من وسط السما واخبيه في عبي ، وصحيح نقبي مش المناديلي لكن ماعرفليش عيلة غيرهم ومش اي مناديلي لا ، حاشوف الفرع العالي من الشجرة واطير له واحط عليه وكلنا ولاد تسعه ومحدش احسن من حد!!!!
تهذي منورة وتبكي غاضبه من زوجها الذي يرفض ينتقل بها للقاهره ويحكم عليها بالعيش المهين في القريه التي لاتعرف الخرائط اسمها ولااسم ابناءها الطيبين ، تحلم منذ زمن بعيد تكون مثل مايسه ، وليه لا ، مافيش علي راسها ريشه ، لكن بينها وبين مايسه مشوار بعيد وام متعلمه وبيت في القاهره ونادي تتريض فيه ومدرسه لغات تذهب لها ، اين هي من كل هذا وهي اليتيمه بنت سميحه التي حولتها الايام لخادمة عمتها نفيسه ، اين هي من كل هذا والبيت الطين غير العماره الانيقة والاب الغياط غير ابن المدارس المتعلم وسميحة الارملة قليله الحيله غير رضوي بنت الاكابر !!!
تبكي منورة وتبكي ، لن ترضخ لحكم الايام علي رقبتها ولن تقبل ولن تصمت ، ستنبش في الحجر وتشق لحياتها طريقا يختلف عن المرسوم لها ، ستكسر عنق الزمن القاهر وتفلت من بين اصابعه وتغير مصيرها وتعيش !!!
تبكي وتبكي ، محمومه مريضه غاضبه مقهورة وزوجها يرفض ينصت لها ويسمع مبرراتها ويقبل وظيفته الجديده في القاهره ويأخدها ويسافر ...
تبكي وتبكي وتزداد اصرار وشراسه ، وحياه النبي لاحيحصل والايام بينا يايحي ، وحتشوف مين اللي حيمشي كلامه علي التاني ، انت الراجل الدكر سبعي جملي ابو عيالي ولا انا مكسورة الجناح اليتيمه قليلة الحيلة !!!


                                                               " ايوه عايزه ايه يعني ؟؟"                                                                                         مايسة


نادتني امي وقالت لي ان منورة علي التليفون ، ضحكت ، مين ، قالت منورة قريبتك ، سالتها ، ايوه عايزه ايه يعني ، لوت شفتيها كأنها تقول مش عارفه ...
مكالمة قصيرة لم تستغرق دقائق ، الله يسلمك ، اه فاكراكي طبعا ، اه ان شاءالله ، باي ، التفت لامي ، ايه الحكايه ، شرحت لي امي ان منورة قريبتنا من بعيد ، وزوجها نقل للعمل في مصر ، وانها تحتاج لونس لانها غريبه ، ضحكت ، غريبه في القاهره ، هزت رأسها ، بتقول كدة ....
لم تكن المكالمة الاولي من منورة لي ولم تكن المكالمة الاخيرة ، منورة فرضت نفسها علي ، فرضت نفسها علي امي ، فرضت نفسها علي اسرتي ، اتت لزيارتنا في ليلة رمضان تحمل فانوسا جميلا لي ، في ثاني يوم العيد حضرت بطبق كعك وبسكويت تركته لامي وهي تقسم انه من صنعه ايديها ، الحق كان لذيذ ، عرضت علي امي تعلمها كيف تصنع الكعك والبسكويت ، قالت لها انها بتعمل مربي جميله وبتخلل زيتون ، قالت لها انها بتحاول تساعد جوزها لان المعايش صعبه ، اتصلت بي ليلة وقفه العيد الكبير وعرضت علي نذهب للصلاة مع في صحن سيدنا الحسين ، قالت انها ندرت منذ طفولتها تصلي العيد في الحسين وقتما تنتقل للعيش بالقاهره وهاهي امنتيها تحققت والندر دين وتتمناني اشاركها الوفاء بالندر ، ضحكت في البدايه ثم استهوتني التجربه ، ولما لا ؟؟ همست امي ، غريبه قوي منورة دي يامايسه ، لسه مش فاهمه عايزه منا ايه ، لامها ابي ، البنت قريبتك يارضوي وغريبه في القاهره ، وافقت ابي ، الحقيقه هي لطيفه ، نظرت لي امي لاتصدق مااقوله ، غريبه صحيح بس لطيفه ، حاروح اصلي معاها في الحسين ....
وتسللت منورة لحياتنا اكثر واكثر ......




نهاية الجزء الثالث

ليست هناك تعليقات: