مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 4 يوليو 2014

وهج وردي في اخر الليل .... الجزء الاول



الجزء الاول




ماخابرش ليه الوجع
ما بقاش بيوجعنى
و ليه دموعى السخينة
دايما ترجعنى
للى مضى و انقضى
و ارحل ... ترجعنى
بادق بابك .. يا تفتح
يا ترده ....يوجعنى



                                                       " سايبني لمين ياغالي؟؟ "                                                                                      سميحة


خلعت حجابي وانا امزق شعري لاادري بنفسي ، صرخت فوق رأس المقبرة المفتوحه سايبني لمين ياغالي ؟؟ واهون عليك ؟؟ سحبني كثيرين من ذراعي لااتذكر وجوههم ، يبعدوني عن المقبرة التي كدت القي نفسي وابنتي في فوهتها الواسعة المخيفة ، جسده ينزلق لقاعها وروحي ايضا ، لطمني ابي علي وجههي لان شعري تبعثر امام الغرباء ، لم يحترم حزني ولم يكترث بمصيبتي ، جذبني اخي الاصغر بعيدا عن المقبرة وهو يهمس لي ، ادعي له ، ايوه يعني اقول ايه ، كل مافي عقلي من كلمات ومعاني تبخر وتلاشي مع صدمه الحزن علي زوجي الغالي ، سايبني لمين ياغالي ، سايب بنتك لحمة حمرا لمين ياغالي ، يرمقني زوج خالتي بنظرة غاضبه ويتمني لو اني ابنته ليطحن عظامي، خالفت كل اوامرهم ، كسرت تقاليدهم ، النساء لاتخرج للمقابر ولاترفع صوتها بالصراخ ولاتبعثر جدائلها الطويلة ولا تقفز بين المعزين من شدة الحزن ، لم اقرر اتحداهم لكني فعلت ، تسللت من خلف ظهورهم جميعا بجلبابي الاسود وابنتي علي ذراعي حافية اجري صوب المقابر ، اسابقهم واسابق الجسد المسجي الذي كان رجلي وحبيبي وسيدي وتاج راسي ، رمال الصحراء الساخنه تلسع قدماي لااشعر بوجع ولا اشعر بشيء ، النيران المشتعله في جسدي وروحي تحرقني الف مرة اشد من الحر القائظ والرمال الساخنة ، عندما وصل التابوت والمعزين للمقابر كنت هناك ، صعقهم برج الضغط العالي وقتما شاهدوني علي شاهد القبر اصرخ والطم وابنتي تبكي فزعه مخنوقه من التراب المتطاير تحت قدامي المتقافزتان علي الحصي حزنا ، صرخت بصوت عالي اودعه ، يحدق ابي في اخي كأنه يأمره يخرسني ، يخفيني من المشهد الحزين ، لكن اخي لايتحرك من مكانه مدركا استحاله سيطرته علي حزني ، يتحلق كبار العائله حولي وكأنهم سينهالوا علي بالضرب ويتمنوا لو خنقوا صوتي وخنقوني لكني اكسر دائرة سطوتهم وتقاليدهم واجري صوب الجثمان ، يصرخوا في لاصمت احتراما للميت لكني لااصمت ، احترمه واحبه لكن قلبي اشتعل حزنا ، اصرخ واصرخ ، ياسوادي ، ياخرابي ، ياغلبي ، ياحظي الاسود ، يفتحوا الصندوق ويخرجوا جسده صوب فوهه المقبرة ، هل هذا الجسد المسجي بالكتان الابيض هو زوجي وحبيبي وابو منورة ، نعم هو ، اكاد القي بجسدي فوق جسده المسجي ، اصرخ خدني معاك ياغالي ، يلطمني ابي علي وجهي ثانية لاني فضحته وفضحت العائله التي عاشت تحترم التقاليد والاعراف وبقيت نساءها تطهي للرجال العائدين من المقابر بادب وخضوع ، لكني كسرت الاعراف وتركت المطبخ لعمتي نفيسه وامي وخالتي مفيدة ، كسرت الاعراف وسرت خلف النعش كمثل الرجال ووصلت قبلهم للمقبرة وصرخت بالصوت الحياني الذي دوي في الفضاء المحيط بالمقابر ، وحدوا الله ، صرخ الشيخ العجوز لاخراسي ، وحدوا الله ، فصرخوا جميعا وانا معهم ، لا اله الا الله سيدنا محمد رسول الله .....
سحبني اخي بقوة من ذراعي وهو يدفس رأسي تحت طرحتي المخلوعه ويلملم شعري المبعثر علي ظهري ويهمس ، اكتمي ياسميحه اخرسي يابت ، يقرصني في ذراعي لاصمت فاصمت ودموعي تنهمر علي حظي اللي مال وايامي السودة ...
هل كنت اعرف كل ماساعيشه ، هل كنت اعرف ان ايامي السوده ستصبح هي كل ايامي التي لن تعرف اياما اخري ؟؟؟
ياحظك الاسود ياسميحة ...... ياحظك الاسود ...
اكتمي يابت .... فتخرس البت وقلبها يحترق نارا ...

                                 
                                                              " وانا ايضا لم اسال نفسي!! "
                                                                                      مرتضي


حاولت اهديء اختنا الكبري نفيسة واشرح لها ان القلب له احكامه وسطوته ، وان شقيقنا مصطفي حر في اختيار من يرغب في الزواج بها ، لم تهدأ نفيسة ولم تقبل كلامي ، صرخت وهي حزينه انها لن تجبره علي زوجه معينه وانه حر ينتقي من بين فتيات القرية من يريد وكلهن اجمل من بعض وقيمه وسيمة وارض وطين ومصاغ وعائله وعزوة ، قالت ان عائلتنا لم تغادر ارضها ابدا ولم تعطي ظهرها لقريتها ولم ترتحل كالصيع ومجهولي النسب للغربة والاماكن المجهولة ، كانت تشعر عارا ان مصطفي تعلق بابنة المهندس الزراعي وتقدم لخطبتها ، كانت تسمع باذنها لمز نساء العائله علي الابن العاق والفرع الشارد والفرخ المتمرد الذي حط شاله علي كتف الغريبه التي لاتشبه نساء قريته وشرد وترك بنات الاصول وبني عشه علي شجرة شوك ، كانت نفيسة تتألم بحق ، لكن مصطفي لم يكترث بغضبها غير المنطقي ، كان يحترمها ويحبها لانه اخته الكبيرة وفي مقام والدته لكنه لم ينصاع لابتزازها العاطفي وقال لها ان رب هنا رب هناك وانه بيته ووطنه حيث زوجته واسرته ، وقال ان القريه باقيه وسيعود لها وان الوصل ممدود ، قال لها انه احب فادية ولن يتزوج غيرها وقال انه تخرج من كليه الطب ولن يبقي للعمل بالقريه التي ستضيق مستقبله والفرص امامه وان فاديه هي التي كتبت اسمها علي قلبه وجبينه وهي مهرته وهو خيالها وكان ماكان ، تزوج مصطفي فاديه فور تخرجه من الجامعه وبعدما قبض اول راتب كبير من وظيفته وسافر للقاهره وعاش هناك حياته كلها ، وانقطعت صلته بالقرية فلم يعد يعرف طريقها الا وقتما تتصل به نفيسة وتخطره بوفاة واحد من ابناء عمومتنا او اقاربنا وتطالبه بالحضور للقريه ككل اولاد الاصول ....
بقيت نفيسة حزينة لسفر اخيها وقطعه الوصل بينه وبين القرية وبيننا جميعا ، وحين فكرت في اكمال نصف ديني ، اختارت لي بمعرفتها عروس تعجبها ، قطه مغمضه لاتعرف عن الحياه شيء الا رحرحة الخبز وتخليل الزتون ، عروس مصونه في بيت ابيها لادارت ولا لفت ولا عمر رجلها خطت خارج زمام القرية ، قالت لي انها اختارت لي سعيدة ابنة حبيبتها وجارتها لاكمل نصف ديني ، وانها مثل كل نساء العائله وبنات البيوت المحترمة حتصونك في غيابك وترعي مالك وتربي ولادك وتحرص عليك وتشيلك فوق راسها وتهون عليك وتخاف عليك وتشيلك في عينها وتتكحل عليك ، وكان ماامرت به نفيسة وتزوجت سعيدة ، الحق سعيدة كانت بنت حلال وطوع ولابتهش ولا بتنش وعمرت البيت كمثل كل بنات العائلات المحترمة ...
فرحت نفيسة بزواجي بسعيدة قدر ماحزنت علي زواج مصطفي من فادية ، فرحت بسعيدة واولادها وانتهزت كل فرصه لتشيد بسعيدة وبيتها العمران واولادها زينه الرجال وبناتها ستات الناس و...... لم تسالني ابدا عن مشاعري تجاه سعيدة التي تزوجتها وانجبت منها 5 اولاد وعشت معها خمسين عام واكثر حتي رحلت .. لم تسألني نفيسة ابدا عن مشاعري تجاه سعيده وانا ايضا لم اسال نفسي ، فالعشق والحب والوله لايخصوا رجال قريتنا ولايعرفوه ، الا مصطفي ....


                                                                  وقال شاهد القبر .........


اشفقت عليها وقتما لاحظتها صغيرة رضيعة ملقاة باهمال موحش علي ذراع امها التي كانت تلطم وتصرخ وتبكي وتمزق في شعرها ، تمنيت لو انزلتها من فوق ذراعها المرتجف وابقيتها علي الارض تحت شجرة الجميز الكبيرة وفي ضلها الحاني حتي تنهي سميحة طقوس حزنها..
ورحمة كل الاموات الغاليين الراقدين في الارض الطيبه تحتي ان الرضيعه اصابتها الشمس وكثرة الصراخ بغيبوبة وكأنها ستموت ، اعرف هذه النظرات الزائغه ، اعرف ارتجافه الشفاه العطشي ، اعرف الجسد وقتما يخلع الدنيا ويستعد للرحيل ، الصغيرة ورحمة كل الغاليين تستعد للرحيل ، اكاد اصرخ ، انقذوها ، الم يكفيكم الحزن والرجل الذي اختطفه الموت من بينكم ، ستتركوا ابنته ترحل اثره وكأن قدره ينخلع جذره من الارض ويموت بلا ولد صالح يدعو له ، انقذوها ، كدت اصرخ ، ولو صرخت لن يسمعوني ، صراخ سميحه وعويلها وادعيه المعزين كل هذا سيعلوا علي صوتي وصراخ الرضيعه حتي يفيقوا من حزنهم علي حزن اكبر ، الفوهه المفتوحه للمقبرة تنادي الصغيرة التي تتسلل من علي ذراع امها زحفا للموت دون ان ينتبه لها احد  ...
حدقت في الاحجار المتناثرة حول فوهه القبر ، حدقت في العميق البعيد حيث ترقد الاجساد وبقاياها ، حدقت في الكوة الواسعه مفتوحة امام الرضيعة لتفر من الحياه ومن حضن امها ، حدقت في الاحجار المتناثرة رجوتها تتجمع وتوصد الطريق امام الرضيعه تمنعها تنزلق للرحيل في لحظه غفله من الام الملتاعه ، تلك السيدة الملتاعه ، اقصد سميحة ، لن تتحمل حزن جديد بعد كل الحزن الذي باغتها وقتما اختطف الموت زوجها في عز شبابه..
مازالت الرضيعه تبكي وتصرخ وسميحه تصرخ وتمزق شعرها والمعزين يأخذهم جلال الموت بعيدا عن تفاصيل المشهد الموجع امامهم ، ارمله صغيرة تحمل رضيعه تبكي رجلها الذي حانت ساعته فرحل دون اخطار او استئذان ، كسر قلبها ورحل ، ترك علي ذراعها ابنته الصغيرة لتدعو له ، لكن الارمله الملتاعه لاتنتبه للصغيرة التي احرقت الشمس رأسها وكادت الام بعصبيتها المفرطه تسقطها من علي ذراعها ، العطش يكوي جوف الصغيرة التي تبحث عن ثدي امها يمنحها بعض الحياه ، لكن الضرع جف والحزن التهم عافيته وتبدل اللبن الخير للبن نكد سم لايقي من جوع ولا يرحم من عطش ، انتبهي ياامي لابنتك الصغيرة ، ستفقديها يوم فقدت زوجك ، سيكتب علي اليوم اسمك وحزنك ، انقذي ابنتك وانتبهي لها ..
مازلت منشغل  عن كل مايحدث حولي منتبها فقط للصغيرة الباكية ، منشغلا عن عن الجنازة الصاخبة ونحيب الرجال المكتوم وصراخ سميحة الموجع الحزين وسباب ابيها واخيها لها ومشاجرات اهل المتوفي مع ارملته التي فضحتهم جميعا ، انشغلت عن هذا كله ، عن الادعية وتمتمات القرأن وامنيات الجنة وتلقين الشهادتين والتراب المتطاير تحت اقدام المعزين ، انشغلت عن هذا كله بالرضيعة الصغيرة التي مات ابيها وتيتمت مبكرا فوشمتها الدنيا بحزنها قبلما تعرفها وتتعرف عليها ، افكر في الرضيعه وحالها وكيف ستعيش وسندها اختفي قبلما يسندها وعين حنانه نضبت قبلما ترتوي منه  ، اشفقت عليها واحسست دموعا تشق الاحجار الصلدة وتنزلق علي بدني تشققه بوجعها واحسست كأن قلبا اخضر نبت لي تحت جزئياتي الصلبة وتمني لو احتضنها وحماها وطمئن روحها المرتاعة ....
انشغلت عن الجنازة الصاخبة وعن كل شيء وانتبهت فقط لمنورة وكدت اهمس في اذنها الصغيرة اسالها كيف منحتي الاحجار الجامدة حياة وانت رضيعه صغيرة لم تدركي معني الحياة اساسا ؟؟؟
ودعوت لها وسط كل الادعيه للميت بالرحمه ، دعوت للصغيرة بطيله العمر والسعاده !!!
عجبا لشاهد قبر خلق للحزن وتخليده ينشغل بسعاده الصغيرة الرضيعه التي لم يراها الا في لحظه جنازه ابيها ولن يراها ابدا بعد ذلك ...


                                               " لااعترض بل اتساءل "                                                                                     سميحة


انا راضيه بنصيبي والختمة الشريفه ولكني اتسائل احيانا وقتما تضيق الحياه في وجهي وتحكم قبضتها علي روحي وانفاسي ، اتسائل ولااعترض ، لماذا قسم لي هذا النصيب وصارت حياتي مثلما هي ، لماذا لست رضوي ولماذا لااعيش مثلها ، لماذا لست الفت ولماذا لااعيش مثلها ، لماذا انتقي ابي زوجته القروية الست سعيدة  لتصبح امي ، الم تحمله البطن ذاتها التي حملت اخيه عمي مصطفي ، اليسا عمي وابي نبتا من ارض واحده وشجرة واحدة ، كيف فارقت بينهما الايام لهذا الحد ، كيف باعدت بينهما الايام وبيننا مثلما صرنا وعشنا ، فعاش كل منا نصيبه ومقسومه يختلف كليا عن نصيب فروع ذات شجرته ؟؟ لااعترض بل اتسائل ، اليس من حقي اتسائل ، الم يمنحي ربي عقلا لافكر ، ومالذي اجنيه من التفكير الا وجع لااملك امامه فكاكا ولاانكارا .... لماذا انتقي عمي مصطفي خالتي فادية اما لاولاده ، فحملته وحملتهم للسماء السابعة ، خالتي فاديه ابنة البندر المتعلمة ابنه مهندس الزراعه التي سحرت لعمي منذ لحظه وقعت عليها عيناه في زيارتها القصيرة لابيه ، سحرت له كما تقول عمتي نفيسة وخلعته من ارضه وخلعت عنه جلبابه وهيبة عائلته واسكنته القاهره وفتحت امامه شوارعها الفسيحه ودروبها المغلقه فانتمي لعائلتها ولعالمها وصار الابن النابه الفالح الذي غير حياته وحياة اولاده ، فاكملت رضوي وهي ابنته الاصغر تعليمها وتخرجت من كليه الاداب وصارت مدرسه في المدرسه الثانوية في مصر الجديده حيث عاشت واقامت فتزوجت الدكتور صفوت وانجبت اولادها الاصحاء انيقي الملابس والملامح ، كل هذا عاشته رضوي لان امها خالتي فاديه سحرت لعمي مصطفي وياله من سحر عظيم افلح يغير حياتهم جميعا ، من سحر لابي الحاج مرتضي ؟؟  امي القروية الساذجة الست سعيدة ، سعيدة ابنة القريه التي تخاف تعبر جسرها العتيق للضفه الثانيه فتتوه ويزداد فمها اتساعا وحدقتيها ذهولا ، من سحر لابي الحاج مرتضي  ؟؟ امي السيدة الطيبة التي لاتعرف عن الحياه الا الخبيز والطبيخ وتخليل الزتون ، هذه السيدة هي التي اختارها الحاج مرتضي اما لاولاده ، فعلمتنا الخبيز والغسيل والطبيخ ورحرحه الخبز وتخليل الزتون ورحبت بأبن اختها نادر زوجا لي لانه ابن اصول ونايم علي ارض امه وثروتها ولان سندرة دارهم عمرانه بخيرات ربنا ، امي السيدة الطيبه الست سعيدة رسمت لابي ولنا حياتنا ، وخالتي فاديه رسمت لعمي مصطفي وابناءه حياتهم ، فكانت رضوي وكنت انا ....
لااعترض علي نصيبي ولا علي المكتوب ، لكني اتسائل ، اليس هذا من حقي ؟؟؟
الم تكفيني السيدة سعيدة لتأخذ ابي وتأخذنا لمسار حياتنا مثلما سارت ، الم تكفيني السيدة سعيدة التي اعتبرت الخبيز وتخليل الزتون افيد لي من فقء عيني في قراءة الكتب التي يسكنها الاشباح وتذهب بالعقل كالمجاذيب ، الم تكفيني وقتما اخافتنا من الاحجار التي تتحول في الليل لعفاريت تجري كالارانب تعقر البشر السائرين في الدروب المظلمة ، الم تكفيني وقتما اخافتنا من النداهة التي تخرج من الجسر تخطف من يسير علي ضفته بعدما يغيب القمر ، الم تكفيني وقتما اخافتنا من الاخرين حينما ينظرون في عيوننا يسرقوا ارواحنا ويغرسوا في اعماقنا بلادة فنبهت علينا الا ننظر لهم في عيونهم ولا نسير في الدروب المظلمه ولا نخرج للجسر ليلا ونستعيذ من الشيطان الذي يسعي ليفسد اعمالنا الصالحه بوسوسته المخيفة ، الم تكفيني السيدة سعيدة بكل ماربتني عليه لارتبك واتعثر في خطواتي في الحياه ، الا يكفيني هذا ؟؟ ليأتيني نادر ايضا بنصيبه المكتوب علي جبينه وعمره المقصوف مبكرا باراده ربه  ، يأتيني نادر ويخرجني من بيت ابي لداره ويعدني بزراعه حديقة داره  بالاشجار وشرفته بالياسمين ويؤثث لي حجرة نومي بسرير نحاسي ولحاف ستان وستارة مزركشه بالورود وسرعان مايموت ويتركني ارملة قبلما انام علي فراشه واتهني ،  ويترك لي صغيرته تبكي غيابه ولاتفهم مبرره ، الم يكفيني نادر الذي رملني علي عتبه داره قبلما يسكن فيه الفرح فاستحققت معاشه الصغير بدلا من عيدية فرحته ، فيموت بوخزة عنيفة في صدره وقلبي ويترك اللحاف الستان الجديد يطويه القهر ويطفيء بريقه الاهمال والتجاهل ، ويترك السرير النحاس خاويا باردا ويترك لي الستارة امسح دموعي في ورودها ، الم يكفيني نادر ؟؟؟ بل تأتيني الحاجه نفيسة باوامرها الصارمه لتحكم علي اعيش معها اؤنسها واخدمها ، كنت اتمني ابقي في داري واروي رياحين نادر بدمع عيني افتقادا وحبا ، لكن الرياحين ماتت عطشا وذرتها الرياح وبعثرتها في الخواء مثل روحي واحلامي ، حكمت الحاجه نفيسة عمتي وامرت ، واطاع ابي ، وانصعت لارادتها ، فاغلق ابي داري وسلم مفتاح بابه لخالتي تفيدة ام نادر التي ربطت رأسها بالطرحه السوداء وصبغت وجهها بالنيله الزرقاء واقسمت برأس ابنها لو ادخلت غريب علي ابنتي وحللت له ضفائري لحرقت قلبي علي ابنتي مثلما حرقت قلبها بقدمي النحس علي ابنها الذي اختطفه الموت علي فراشي ، حكمت عمتي نفيسة علي بخدمتها وحكمت علي خالتي تفيدة بالوحدة والترمل والثياب السوداء طيله العمر وعشت مثلما عشت ومازلت اعيش ... لااعترض علي نصيبي والمقسوم ، لكن اتسائل ، لماذا ؟؟؟

      
                                                  " بتك مالهاش قعده لوحدها في دارها "
                                                                                      نفيسة


بعدما دفنا نادر وصبغنا وجهنا بالنيلة الزرقاء ولطمنا علي وجوهنا ، بعدما اعددنا الغذاء والعشاء للمعزين والزائرين ، بعدما شققنا القبر بزيارته في منتصف الليلة القمرية والبدر ساطع ، بعد ماذبحنا العجل ليلة الاربعين ووزعنا لحمه علي الفقراء والمساكين ليدعو لنادر بالرحمه صدقه تشفع له  يوم المشهد العظيم  ، بعد كل هذا ،صليت الفجر واستخرت ربي و ارسلت لمرتضي مرساله في داره ليأتيني وشددت علي المرسال لايتركه الا ويأتي به لداري لاني ارغب اتكلم معه في موضوع هام ، كانت سميحه في داره حزينه باكيه علي حظها الاغبر والرجل الذي خطف من حضنها ومات وترك لها رضيعه تقسم ظهرها وتميل بقيه بختها ، ارسلت لمرتضي وانا اعرف مالذي ساقوله له ليقبل مااعرضه عليه ..
اتاني هرعا مرتاعا لايعرف سبب دعوتي والحاحي فيها ، قدمت له القهوة بعدما كسر ريقه بطبق عسل وقشطه ، سألته ، الا هي بتك حتروح عند اهل جوزها تعيش في كنفهم ، لم يفهم ، سميحه ؟؟ شرحت له انها في عز شبابها وترملت بدري وعلي دراعها عيلة تميل البخت المايل اساسا ، ينصت لي وكأني يتمني يعرف نهايه حديثي ، بتك مالهاش قعده لوحدها في دارها ، تجيب لينا الكلام ، البت ورثت عن جوزها طين والدهب في دراعها يلم علينا الصيع والطماعين ، وانت شايفه ايه ؟؟ سألني مرتضي ، قعادها عندك حمل فوق حمولك وانت مش ناقص ، حظي بقي ياحاجه ، متأسيا علي حظه المعووج ، احيل للمعاش مبكرا بسبب اصابته بعلة في ظهره ، دخله انخفض للنصف وظهره يمنعه يفلح في الارض فيستأجر عمالا يأخذوا منه نصف محصولها واكثر ، الدنيا ضاقت عليه وضيقت خناقها ، انت لسه ماجوزتش اخواتها واولادك واحد في الجيش بياخد حسنته منك والتاني لسه بيتعلم وبيتصرف عليه ياما ، اذكره باحواله التي يعرفها جيدا ، ايوه يعني اعمل ايه ياحاجه ، بنتي ارميها ، لا بعد الشر ، اشرح له ، بقاءها لوحدها في دارها عيبة في حق العائلة ، واقامتها في منزل اسرة زوجها عيبة اكبر ، حيقولوا اهلها مش قادرين يأكلوها ، ينصت لي مرتضي ينتظر الحل السحري الذي ساقدمه لها مثلما افعل عادة ، ايوه ياحاجه يبقي خلاص حتقعد معايا ، اربت علي ظهره ، لو تقدر ماكنتش اتكلمت ، احتار حماري ياحاجه ، شوريني انت شايفه ايه ؟؟؟
شرحت له رغبتي في حضور سميحه وابنتها للاقامه في منزلي ، شرحت له ان المنزل كبير وخاوي بعدما مات زوجي ولم يمنحني ربي ذريه من قلبي تودني وتورثني وقتما يحين الحين ، شرحت له اني احتاج سميحه تؤنسني في وحدتي وتراعاني ، شرحت له ان اقامتها معي هي افضل شيء له لان ظهره مقسوم ولن يتحمل احمال اكثر وافضل شيء لها بعدما خرجت من داره وتزوجت ويصعب علي تعود علي فراشها القديم وعلي ذراعها ابنتها الرضيعه ، شرحت له ان داره ضيقه باهلها ويادوبك تكفيهم وان داري واسعه وكبيرة وخاويه وسميحه وبنتها حيعملوا لها حس ، تنفس مرتضي الصعداء مرتاحا ، بكي وقبل يدي لاني افكر فيه وفي ابنته ، بكي ممتنا لاني حللت له المشكله العويصه التي ارقته ليالي كثيرة ، ابنته الجميله ترملت ولو تركها في دارها لنهشتها الذئاب وتندر اهل القريه عليه لقلبه البارد الذي يترك ارمله جميله في دار بعيده علي اطراف البلد لايعرف عنها شيء ، ولو ابقاها في منزله الضيق سيزداد ضيقا ويضج اشقاءها بصراخ ابنتها وستأكل في لحمه الذي نهشته الايام والمعاش المبكر واصابه ظهره ، بكي ممتنا وفجأ سألني محرجا ، وانتي تشيلي حملها ليه ، ضحكت ساخره منه ، لما اقولك كليت تعالي خدهم ، لما اقولك هات عيبني وعيب علي .... ووافق مرتضي واقنع زوجته برغبتي وشرح لها مبرراتها ، تفيدة ام نادر سرت مما سمعته عن اقامه سميحه معي هي وحفيدتها ، تفيده كانت تحمل هم اقامه سميحه معها والبيت كله شباب وماينفعش نحط البنزين جنب النار ونقول الحريقه ولعت ليه ، كانت تحمل هم اقامتها في دار ابنها فتخرج الدار والارض المحيطه به من سيطرتها لتقع في ايد اول ابن حرام يحط عينه عليها وعلي الدار ....
زارتني تفيدة واخبرتني بموافقتها علي اقامه حفيدتها في حضني واني ايضا جدتها وقالت انها مستعده لدفع ما اطلبه مصاريف لمنورة ، يومها نهرتها لانها اتت منزلي وتطاولت علي ، قلت لها ان منورة لحمنا ودمنا واحنا اولي ببناتنا ، قلت لها اني لااحتاج نقودها ووقت اكل واعجز انفق علي حفيدتها سوف ارسلها لها في دارها ، اعتذرت واكدت لي انها لاتقصد المعني الذي فهمته وان الاصول تقتضي تعرض علي ماعرضت وهي تعرف اني لن اقبل واني املك انفق علي منورة واهلها كلهم ، تباسطت معها وقلت لها اني لم اغضب منها واقدر دوافعها لكن الاصول ايضا تمنعها تتفوه بمثل ماقالته في بيتي وانا كبيرة العائلة واني التي اخترت سعيدة شقيقتها لمرتضي واخترت نادر لسميحه ومقامي عالي وكلمتي نافذه علي الكل وقادره انفق علي منورة والف مثلها ....
واتت سميحه لمنزلي ومعها ابنتها الرضيعه فسمعت جدرانه لاول مره بكاء الرضيعه وهدهدات امها لها وقت النوم ، وهي الجدران التي لم تسمع الا بكائي لان ربنا منحني الكثير لكنه حرمني من الاطفال والامومة و.... صارت سميحه ابنتي ومنورة حفيدتي وامتلأت الدار بالصخب والدفء ....
كنت اظنهما سعداء بالاقامه معي مثلما سعدت بوجودهما حتي ذلك اليوم الغريب الذي صرخت فيه منورة تتشاجر مع امها لانها حكمت عليه بالذل وكسرة النفس والاقامه كالمتسولين في بيت الغرباء !!! متسولين ، غرباء ؟؟؟ ياخبر اسود ومنيل !!!! لاهي بنتي ولا هي حفيدتي و يا مربي في غير ولدك يا باني في غير ملكك....




نهاية الجزء الاول 

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

شكلنا داخلين علي تحفه جديده من روائعك
بشكل جديد ومختلف

غير معرف يقول...

,n
حلوه
وحلوه اوى
كييف مخابرشى

كالعاده.............بتكسف اكتب بعد كلماتك...........بس هحاول......كل بكاء فى القصه من كتر ماهو مكتوب ومتصور وكانه بيحصلى انا.......حسيت بالدموع بتجرى على خدى انا ...........حتى اللطم كنت بقول اى.............اختيارك للاسماء .......ذكاء شديد............مش موافقه اللى بيقول نكد.......حسيته شجن .................حتى اللى ممرش بنفس الظروف ممكن يكون حس بالاحاسيس دى بس طبقا لظروفه هو...................بس انا هقرائها تانى.......حاسه انى لما اقراها تانى هكتشف حاجات جديده و هقولك